"موريتانيا" او "شنقيط": مُسمياتُ عدة لحيز جغرافي تجاوزت شهرته المكان

عرفت عن جميع مكونات الشعب الموريتاني العرقية من عرب وزنوج (فولان، سونك، وولف) دخولها  في دين الله أفواجا منذ أكثر من ألف عام وحسن إسلامهم واستطاعوا أن يبنوا حضارة زاهرة ورائعة بصورة استثنائية. كما تمكنوا بإشعاعهم الفكري وجهادهم المادي والروحي وفق المؤرخين  من نشر الإسلام في أصقاع واسعة من  القارة الافريقية

وعرفت الجمهورية الاسلامية الموريتانية الحالية قديما باسم "شنقيط" ومنها اخذ الموريتانيون تسمية"الشناقطة".

حيث كانت شنقيط مركز إشعاع علمي وثقافي ،ارتبط اسمها بحملة من المعاني حيث شهدت منذ القرن 10 هـ نهضة ثقافية شاملة إلا أن أهلها لم يهتموا بتدوين حركتهم العلمية وتوثيق أحداثها والتأريخ لها.

لقد مرت بلاد شنقيط أو موريتانيا بمراحل تاريخية طويلة ، بحيث حملت في كل مرحلة إسمًا معينا ، وقد اختلفت الأسماء بحسب الأحداث التاريخية التي عرفها المجال الجغرافي الشنقيطي في مراحل زمنية مختلفة.
ومن بين تلك الأسماء : إمبراطورية غانا ، بلاد التكرور ، وصحراء الملثمين ، وبلاد شنقيط ، وبلاد المغافرة أو المنكب البرزخي ، وبلاد الفترة أو البلاد السائبة ، ثم  اخيرا موريتانيا.

إمبراطورية غانا وصحراء الملثمين

تعتبر إمبراطورية غانا من أقدم الممالك والسلطنات في منطقة غرب إفريقيا حيث بسطت نفوذها السياسي على أجزاء واسعة ومناطق كبيرة من البلاد التي تحدها .
وقد شكل ساكنو تلك البقاع أهمية خاصة ، خصوصا أنهم " الملثمون" الذين نسبت إليهم الأرض فسميت بـ:" صحراء الملثمين" ، وهي الصفة التي فسرها

شاعرهم المغوار أبو محمد بن حامد :
قوم لهم شرف العُلى من حمير .. وإذا انتموا لمتونة فهمُ هــــمُ
لما حووا إحراز كل فضيلة .. غلب الحياءُ عليهمُ فتلثمــــــوا

وكانت قبائل الملثمين تصل إلى سبعين قبيلة جائلةً في الصحراء الكبرى ، إلا أنه لم يشتهر منها إلا ثلاثة قبائل هي لمتونة ، وكدالة ، و مسوفة.
وهي القبائل التي كانت عصب ما عرف بـ:" دولة المرابطين" ، وقد تعاقب على ملك تلك الدولة ثلاثون ملكاً .

لقد كانت الصحراء الشنقيطية ( الموريتانية) مهدُ ومنطلق دولة المرابطين التي بلغ شأوُها ونفوذها يوماً أن بسطت نفوذها على الشمال الإفريقي والأندلس كله

- لماذا سموا " مرابطين " ؟
يعود الاشتقاق اللفظي للمرابطين إلي " الرباط" الذي أسسه الأب الروحي للحركة المرابطية وهو الشيخ  عبد الله بن ياسين ..
الذي كون رباطاً اعتزل فيه مع يحي بن إبراهيم الكدالي في جزيرة بالبحر يقال إنها : جزيرة تيدرة الحالية المحاذية للعاصمة  الموريتانية نواكشوط ، وبعد أن جذر المرابطون ركائز رباطهم إنطلقوا في الآفاق ينشرون الإسلام والثقافة العربية في محيطهم العربي والإفريقي .

بلاد التكرور و وبلاد شنقيط

لقد أطلق وصف بلاد التكرور في مرحلة تاريخية سابقة ، وبلغت هذه الصفة من الشيوع حدًا جعل أبو عبد الله الطالب محمد بن أبي بكر الصديق البرتلي المتوفى 1219هـ ، جعلته يسمي مؤلفه الذي اشتهر به وقدمه للتعريف بعلماء المنطقة :" فتح الشكور في معرفة أعيان وعلماء التكرور" . والتكرور تطلق علي الزنوج.

أما وصف " بلاد شنقيط" فإنه أطلق على موريتانيا طيلة مراحل تاريخية مهمة ( وربما لازالت بقايا الشناقطة الأولين وامتداداتهم في المشرق الإسلامي في تركيا والسعودية والأردن تحتفظ بنفس النعت حتى يومنا هذا) ، و يري العلامة الجليل سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم العلوي أن " شنقيط" أو " شنجيط" تطلق على عيون الخيل حسب بعض اللغات البربرية الدارجة في ذلك الوقت.

وقد بنيت مرتين ، الأولى سنة 160هـ ثم تلاشت واندثرت لظروف مناخية عسيرة وصعبة ، أما المرة الثانية فقد بناها الفقيه الصالح محمد قلي ولد إبراهيم الجد الأعلى لقبيلة الاقلال الموريتانية  بمعية أنسبائه من العلويين.

ومدينة شنقيط تلك هي التي انسحب إسمها على القطر وساكنيه من باب " تسمية الشيء بإسم بعضه " ، ويري العلامة أحمد ولد الأمين الشنقيطي مؤلف كتاب " الوسيط في تراجم أدباء شنقيط" أن هذا القطر يحده من الشمال الساقية الحمراء ومن الجنوب قاع ابن هيب ، ومن الشرق ولاته والنعمة ، ومن الغرب بلاد سنغال.

ولما كانت بلاد شنقيط تؤدي رسالتها ونبغ علماؤها ، كانوا يحجون كثيرا ، فبدأوا من وقتها ينسبون إلى موطنهم شنقيط الذي قدموا منه .
يقول العلامة سيدي عبد الله ولد الحاج إبراهيم :" وكان الركب يمشي من شنجيط إلى مكة كل عام ، ويتعلق بهم كل من أراد الحج من سائر الآفاق ، حتى أن أهلا هذه البلاد أعني من الساقية الحمراء إلى السودان ، إن رُؤوا لا يعرفون عند أهل المشرق إلا بالشناجطة إلى الآن.."

هكذا إذن أطلق وصف الشناقطة نسبةً إلى تلك المدينة التاريخية العظيمة التي لا تزال صامدةً كالتثمال رمزًا للقوة والعزة والصلابة ، وبلغ الشناقطة من النبوغ في العلوم اللغوية والمعارف الإسلامية حدًا جعلهم مضرب الأمثال في المشرق والمغرب تاركين أحسن الذكر والأثر أينما حلوا ، حاملين نماذج اختمرت في مجال جغرافي وبشري.

ويعتز الشناقطة بنسبتهم إلى ذلك المجال الجغرافي البشري ، يقول شاعرهم محمدى ولد سيدينا حول ذلك الانتساب إلى شنقيط :
بكم تضرب الأمثال شرقا ومغربا .. وينمى إليكم كل من جاء من قطري
بينما يقول الشاعر الشنقيطي الآخر:
إن لم تكن شنقيط فيها زمزم .. ففيهم للعلم ركـــن أقدمُ

 بلاد المغافرة و المنكب البرزخي

بلد المغافرة وهو أحد الأسماء التي أطلقت أيضا على موريتانيا ، ويبدو منه أنه نسبة إلى ذرية مغفر بن أودي بن حسان ، وهو الجد الأكبر لقبيلة الحسانية التي يحفظ لها التاريخ دورًا كبيرًا في تأسيس  موريتانيا  منذ القرن الثامن الهجري / الرابع عشر الميلادي .

أما مصطلح أو وصف " المنكب البرزخي" فإن أول من استخدمه هو الشيخ الكبير محمد المامي في كتابه عن " البادية" ، الذي حاول فيه تقديم الإجابات الفقهية للمشاكل التي يعيشها مجتمع البادية والصحراء ، حيث يقول :" إن علم أهل المنكب البرزخي عند أهل الأمصار الشناجطة والبرزخية الواردة في الوصف تحيل إلى توسط هذه الرقعة جغرافيا بين الشمال العربي والجنوب الإفريقي ، وهذا إحالة إلى المعني اللغوي الدلالي حيث البرزخ لغة هو الحد الفاصل بين شيئين أو الحاجز بينهما .

وتأسيساً على ذلك " البرزخ" فإن الكثير من أبناء تلك البلاد ولّدوا وصفا قدموه لغيرهم عن أنفسهم وهو " همزة الوصل" في إشارة إلى الدور التاريخي للشناقطة في حمل رسالة الدين الإسلامي والثقافة العربية إلى أدغال القارة السمراء وأحراشها وغاباتها.

 شنقيط من البلاد السائبة الي الجمهورية الإسلامية الموريتانية

إن هذا المصطلح " البلاد السائبة" شاع استخدامه فترة غير قصيرة من الزمن حتى قبل وقوع البلاد تحت نير الاستعمار ، ويحيل إلى معني لغوي بالحسانية ( وهي لغة عربية ملحونة قليلا ) إلى معني الفوضى والتمرد ، وينطبق ذلك على طبيعة المجتمع البدوي المرتكزة على العشوائية وعدم الركون للنظام والروتين والسلطان ، وهكذا غابت عن ذلك المجتمع السلطة المركزية حينا من الزمن بعد انهيار الدولة المرابطية ، وهو ما استمر حتى بزوغ سلطة الإمارات التي عمرت المجال الشنقيطي في وقتها.

ثم بعد مصطلح البلاد السائبة عرفت المنطقة الشنقيطية إسما آخر هو الإسم الذي ورث الأسماء الفارطة كلها ، وسيكون علماً عليها فيما بعد ، إنه " موريتانيا"  او الجمهورية الاسلامية الموريتانية .

إنه الإسم الذي أراد به المستعمرون النسبة إلى بلاد " المـــور" ( Les Maures) ، ويعنون به " البيضان" أو " البيظان" وهذا الأخير وصف يطلقه أهل المنطقة من ذوي الأصول العربية على أنفسهم ، مع أن هناك من يرى أن " المور" هي نسبة إلى واد موجود باليمن بهذا الاسم تسكنه قبائل عربية يتنمي إليها أجداد سكان هذه الأرض فتمت تسميتهم بذلك في إشارة لا تخلو من الدلالة.

غير أن الفرنسيين أرادوا بـ:" المور" تذكيراً و ربطا بالتاريخ الروماني القديم حيث كان المصطلح يطلق على كل شمال إفريقيا ، أي أن الفرنسيين أحيوا هذا المصطلح القديم من مرقده الروماني ليطلقوه على أبر جزء من بلاد شنقيط حولوه إلى مستعمرة فدولة مستقلة منذ 28 نوفمبر 1960 حين تم الإعلان عن استقلالها .

 

نقلا عن بوابة افريقيا الاخبارية

سبت, 10/08/2019 - 20:55